القائمة الرئيسية

الصفحات

شاطئ الرحيل (3)



ذلك اليوم، آهٍ من ذلك اليوم...!

ذلك اليوم يومٌ حارٌ جوُّه حرارة اللهب، ساكنةٌ ريحه سكون القبور، تتنفس الأرضُ فيه غضبًا وكأنَّ بركانًا على وشك الانفجار، لذا هدأ الشارع  قليلاً من حركة الناس ولكنه لم يهدأ بعد من حركة أمه؛

كان يحدث ذلك في واحدٍ من أشهر الصيف الحار للعام ألفين وثلاثة من الميلاد، وكان صاحبُنا حينها يُعَد طفلاً، كان صاحب الثلاثة عشر عاما و كان في الصف الثاني من مرحلته الإعدادية الأزهرية؛

* مع شدة الحرارة هذه خلا الشارعُ من المارة، وبدا كلُّ شئٍ طبيعي - كعادة الأيام الحارة- عدا أنه يرى أمه مهمومةً همًّا شديدًا وكأنَّ هناك خَطْبٌ ما ولكن لا يعرف ما هو؟!،

ولأن صاحبنا كان أصغر الأبناء في المنزل لم يهتم كثيرًا لمعرفة ماذا حدث غير أنه لا يُحب رؤية أمه مهمومة هكذا؛

تمُرُّ الدقائقُ عليه ببطءٍ شديد وهو يترقب تعبيرات وجه أمه وينتظر رؤية وجهها مبتسما، وعند منتصف الظهيرة وفي تمام الساعة الواحدة وسبع دقائق و ستٍ وأربعين ثانية - تِكْ تِكْ تِكْ علا صوت عقارب الساعة وكأنها تتفاعل مع الأحداث هي الأخرى

علا الصوتُ وبدا وكأنَّ إحداهنَّ قد اشتعلت النارُ في جسدها، 

ولكن بعد أن هرع صاحبنا إلى مكان ذلك الصوت لم يجد نَارًا حقيقية ولكنها كانت نار الحِقد والتعالي والكِبرِ والغرور والخيلاء،

 نعم كانت تلك العجوز النحيلة تصرخ بصوتها الحاد المرتفع و الذي يُشبه صوتَ صغير القرد عند صراخه - ليس تهكمًا ولكنه وصفٌ حقيقيٌّ- وتتناظر على والدته قائلةً "أنا ولادي بهوات شوفي ولادك فين؟!"

(قالت ذلك لأنَّ أحد أبنائها كان طبيبًا على الرغم من أن باقي أبنائها لم يتحصل الكثير منهم على تعليم فوق المتوسط أصلا

* كان صاحبنا  يراقب الموقفَ في صمت، حيث نظر إلى وجه أمه التي كانت تُحاول التماسك وعدم الرد على تلك العجوز تقديراً لعمرها الذي قارب الستين وتقديرًا لرابط المعيشة، ولكن حين قللت من شأن أولادها رأي أمه تتحول من حَمَلٍ وديع لتُصبح كالأسد الضاري المُكشِّر عن أنيابه ولا يأبه لمن حوله فقط يُريدُ الانتقام ورد الاعتبار؛ 

وهنا تدخل أحد المارة من الكبار في السنِّ وحين علم ما حدث على الفورِ أجاب "قطع لسانها ولادك نوَّارة البلد"، وهنا خانت الدموع عين أمه وانفلتَ بعضُها -لأن الغريب –نسبيا- يعرف و لا يُنكر قدر أولادها ولكنَّ القريب –نسبياً – أنكر ذلك- ولكنها لم تسقط على الأرض بل سقطت في قلب صاحبنا كالمُهلِ يشوي قلبه، 

ومن ساعتها واتقدت النار فيه ولم تهدأ وأقسم أن يُزيل هذا التعالي بأن يتفوق ويتفوق حتى يصير في منزلة أعلى من أن تصلها القرود ولو بذلت جهدها وعلا صوتها..

- إذًا هل تود بعض الراحة؟

* لا راحة بعد الآن.... لنبدأ

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  1. مؤلمه...لكن ذات معنى كبير

    ردحذف
  2. أسأل الله العظيم ان يزيل من قلبك كل هم وألم ويبدله فرجا وفرحا

    ردحذف
    الردود
    1. آمين وإياكم،
      جزاكم الله خيراً 🌹

      حذف
  3. مش شايف إن قلبك أسود؟

    ردحذف
    الردود
    1. وماذا تنتظر من قلبٍ وُضع في الجمر؟

      حذف

إرسال تعليق

التنقل السريع
    xxx -->